جاءت الحرب الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة بمثابة "أزمة كاشفة "واختبار مباشر للعديد من المواقف والاتجاهات والتحولات في النظام السياسي الدولي، فعلي مدي أكثر من 7 شهور من العدوان غير المسبوق والابادة الجماعية للشعب الفلسطيني، والقتل العمد لعشرات الالاف من الأطفال والنساء والمدنيين، فضلا عن العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها ومازالت ترتكبها قوات الاحتلال، جاءت المواقف الدولية لتكشف مجموعة من الحقائق الصادمة عن طبيعة القوي ونمط العلاقات في المجتمع الدولي الراهن.
في مقدمة هذه الحقائق، هي ان مواقف الدول الغربية جاءت متناقضة مع ما تدعيه من قيم ومن احترام للمواثيق الدولية خاصة تلك التي نظمت العلاقات بين الدول والشعوب وحقوق الانسان، فقد احتاجت هذه الدول مرور سبعة اشهر من القتل والابادة للشعب الفلسطيني الأعزل في غزة حتي تبدأ في إدانة هذه الجرائم، بل ان بعضها لازال يساند العدوان، ويرفض حتى قرارات المحكمة الجنائية الدولية التي هي في الأصل منشأة اوربية غربية، وبالكاد ظهرت مواقف تدرك حقيقة القضية مثل اسبانيا وايرلندا والنرويج التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، بينما لايزال الموقف الأمريكي والبريطاني على سبيل المثال يساندان الاحتلال والعدوان سياسياً ومادياً .
الحقيقة الثانية أن معظم دول العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية قد عبرت - وفق ما يتاح لها من منابر وإمكانات - عن رفضها للعدوان والابادة الجماعية التي يقوم بها جيش الاحتلال وسياسات التجويع للشعب الفلسطيني، وظهر ذلك في التصويت عدة مرات في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك للدول الأعضاء من هذه المجموعات في مجلس الأمن، إضافة الي الإجراءات التي قامت بها بعض هذه الدول أمام "محكمة العدل الدولية"، و"المحكمة الجنائية الدولية " ومجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات.
وسط هذه المواقف يبدو دور الدول الآسيوية تجاه الحرب الوحشية على الشعب الفلسطيني في غزة، حيث لوحظ على المواقف الآسيوية أنها إجمالا كانت ضد العدوان ومع الحق والعدل ورفض الإبادة التي يقوم بها جيش الاحتلال، ولكن وسط هذا الموقف العام تميزت مواقف بالإيجابية والتحرك النشط مثل الموقف الصيني بحكم عضوية الصين الدائمة في مجلس الأمن، والموقف الروسي القوي في مواجهة العدوان وفي مواجهة المواقف الأمريكية في مجلس الامن، في المقابل كانت هناك مواقف أضعف من المتوقع منها خاصة من دولة كبرى مثل الهند ذات العلاقات الوثيقة بالعالم العربي والسجل التاريخي تجاه القضية الفلسطينية.
أما الملاحظة الأهم فكانت ذلك التأثير المحدود للقارة الآسيوية بكل قواها العظمي والوسطي والصغرى اقتصاديا وسياسيا، على مسار الأحداث على مدى أكثر من (7) شهور، فلم تستطع هذه المجموعات من الدول وقف العدوان، ولا التأثير على المواقف الأمريكية والأوربية، حيث استطاعت الولايات المتحدة وعدد من الدول التي تدور في فلكها منع صدور أي قرارات ملزمة لوقف الحرب، او وقف التجويع للشعب الفلسطيني، أو إدانه ملزمة للإبادة الجماعية، وهي حقيقة مؤلمة تؤكد مدي الخلل في النظام الدولي الراهن.
هذا الواقع يدعونا الي التطلع إلى دور آسيوي أكثر نشاطا وديناميكية وتحركا للقيام بدور أكثر تأثيرا في تسيير وإدارة النظام العالمي على نحو أكثر عدالة وتوازنا، ولا توجد أهم من الحرب في غزة لإثبات وإبراز وترجمة هذا الدور على أرض الواقع.
ان النظام العالمي مازال في مرحلة التحول وإعادة صياغة نمط العلاقات الدولية، وأوزان القوي المؤثرة في هذا النظام، وموارد القوة التي تعتمد عليها، ولا شك أن العديد من الدول الآسيوية فرادي او في مجموعها قد حازت من هذه المصادر الكثير من دواعي القوة الشاملة، وحان الوقت لإبراز وزنها وتأثيرها في النظام الدولي سواء داخل المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية، أو من خلال استخدام ما تملكه من أوراق للتأثير في مواقف الدول والمجموعات الأخرى ليكون النظام العالمي عادلاً ومتوازناً.